تحليل خارج الصندوق “تفجير مرفأ بيروت”

 

مشهد الأوضاع قبل التفجير:

بداية لبنان يعيش أزمات خانقة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا ليس مستغرب كثيرا  وخاصة في السنوات الأخيرة ولكن الغريب جداً أنه لأول مرة  في المشهد اللبناني كل الفرقاء في لبنان (تحالف 8 آذار ويضم حزب الله وحركة امل والوطني الحر وغيرهم) و( تحالف 14 آذار ويضم تيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وغيرهم ) و الحزب التقدمي (جنبلاط ) ممثل الدروز كالعادة في الوسط يمارس دور بيضة القبان لحصد اكبر المكاسب ،  كلهم بلا استثناء يعيشون ازمة ولديهم صراعات داخلية تهدد مكاسبهم وكياناتهم خاصة قواعدهم الشعبية  وتأييد الشارع، لان الناس بكافة طوائفها وانتماءاتها افلست من الكل .

انعكست هذه الحالة  على الوضع في لبنان فأوصلته إلى شبه إفلاس على كافة القطاعات مالياً واقتصادياً وسياسياً  ومواجهة طريق مسدود في كل النواحي للوصول الى حل ، مع تعنت الجميع للتنازل عن مصالحه (وخاصة تحالف 8 اذار او بالأخص حزب الله)  او إعادة ترتيب أولوياته ، ويضاف الى ذلك الموقف الأبرز  في جدارية  التعنت وتغليب المصلحة الحزبية والطائفية  وهو تمرد وتنمر الشيعة الصفوية(التي تتبع ايران والمشروع الفارسي) في الشرق الأوسط على دول المنطقة والقوى الدولية .

 

سيناريو التفجير :

كان لا بد من إعادة التوازن للقوى المحلية بما فيهم الشيعة الصفوية بما يتوافق مع مصالح الدول العظمى (أمريكا وروسيا …) وتأديب المتنمرين فكانت سلسلة خطوات عقابية منها ماهو اقتصادي وسياسي (الخروج من الاتفاق النووي ، تفعيل قانون قيصر ،المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الحريري ،…) ومنها ماهو عسكري كالمناوشات في الخليج العربي وسلسلة الاغتيالات للرموز والقيادات (الصقور) كقاسم سليماني وعماد مغنية

وغيرهم، وغارات نوعية في العراق وسوريا لإرغامهم على العودة دون الخطوط الحمراء مع حفظ بقائهم متفوقين على أي فريق (دولة او طائفة …) سنية في المنطقة لأننا نعلم انه على رغم كل التنازع والاحتراب الظاهر او المصطنع بين الغرب (أمريكا وحلفها) والفرق الباطنية ، الا ان الفرق الباطنية وعلى رأسهم (الشيعة[1] الفارسية …) ومن سيخلفهم في المرحلة المقبلة وهم (الإسماعيلية والاباضية والشيعة غير الفارسية  … ) هم شركاء استراتيجيين للغرب ولن تنفك هذه الشراكة ما دام الطرف المتفق على عدائه هو الكيان السني (دولا او مجتمعات) [2] .

وبعد الانتهاء من تسوية معظم الأمور في العراق وسوريا بقي لبنان احد الساحات الرئيسية لهذا التنازع والتنافس لا بد من الالتفات اليه لتسوية القضايا العالقة وإعادة ضبط ميزان القوى بما يتوافق مع المرحلة المقبلة .

 بعد محاولات متكررة وعروض مغرية سياسية واقتصادية بقي التعنت والتنمر لتحالف 8 اذار وخاصة حزب الله (الفارسي) فكان لا بد من صدمة عنيفة ومفاجئة لإيصال رسالة قوية للموافقة على إعادة ترتيب الأمور فكان تفجير مرفأ بيروت ، فليس بالضرورة ان التفجير يقضي على قوى معينة او يضعفها لكن يكفي ان يقتل روح القتال وطبع التنمر فيها ، وقد فعل فان الحزب الى اليوم صامت من هول الحدث والعجز عن القيام بأي خطوة وكأنه بات مشلولا من كل النواحي ، (مثال على ذلك قنبلتي هيروشيما ونجازاكي فانهما لم يدمرا الجيش الياباني او الأراضي اليابانية ككل بل دمرت إرادة المقاومة والحرب فكان الاستسلام كهدف رئيسي والهدف الأخر رسالة قوية للقوى الدولية بعدم تجاوز الخطوط الحمراء مثل الاتحاد السوفيتي (روسيا) .[3]

 

والهدف الأساسي هو احداث ازمة كبيرة (تفجير مرفأ بيروت) لتحطيم او اضعاف باقي الازمات واحداث بوابة كبيرة  في جدار المشهد اللبناني تتسع لدخول لاعبين دوليين يفرضون قواعد او منظومة جديدة لإعادة ترتيب المشهد من خلال اتفاق طائف جديد او فدرالية سياسية او جغرافية او أي حلول أخرى تكون جوهرية في إعادة الاصطفاف للقوى المحلية يكون  للاعبين الجدد الأدوار الرئيسية فيها .

بغض النظر عن معرفة الفاعل او المباشر لعملية التفجير لأننا سندخل في دوامة من التضليل لا تنتهي وخاصة في بيئة معقدة مثل لبنان، ولكن يكفينا ان نتتبع اتجاه المصلحة لهذا الحدث ويصب في خدمة من  ومن هم أكبر الرابحين لمرحلة ما بعد تفجير مرفأ بيروت، والأيام كفيلة في تعرية كل حدث.

والهدف الأساسي هو احداث ازمة كبيرة (تفجير مرفأ بيروت) لتحطيم او اضعاف باقي الازمات واحداث بوابة كبيرة  في جدار المشهد اللبناني 

 

لماذا لبنان الان ..؟   

  • الموقع الاستراتيجي في القديم والحديث بين ثلاث قارات ومهد لحضارات وثقافات قديمة ومعاصرة لها بصمتها في المجتمعات العربية .
  • التعددية الحزبية والطائفية التي ازدادت تعقيدا في الآونة الخيرة وتغول فريق دون فريق على المشهد اللبناني مما أثر إقليميا ودوليا وخاصة بعد الربيع العربي.
  • تشتت وعدم اتزان في قوى فريق 8 اذار وخاصة حزب الله (الفارسي) ومشاركته في عدة جبهات داخلية وخارجية مما انعكس على الضعف العام في حالة الحزب .
  • التهيئة للمرحلة المقبلة من قبل الروم الجدد(إسرائيل وامريكا وحلفائها ) تتطلب لاعبين جدد او لاعبين متجددين (المجوس الجدد) بما يتوافق مع أدوات وحيثيات المرحلة .
  • الكشوفات الضخمة للغاز في حوض شرق المتوسط والحصة الكبيرة للبنان في هذه الكشوفات وما يتبعه من رخاء اقتصادي .

القراءة الاستراتيجية[4] :

  • المشهد اللبناني قبل التفجير سيختلف تماما بعد احداث التفجير خاصة على الصعيد السياسي والتحالفات والكتل والزعامات الممثلة لطوائف وانتماءات المجتمع اللبناني .
  • ان الوضع الجديد سيكون جوهريا في بناء منظومة لبنانية ممثلة للمجتمع اللبناني ككل بغض النظر عن تمثيلها العادل او الظالم وعلى الاغلب سيذهب الحل الى فدرالية من نوع خاص مبنية على المثالثة في التقسيم .
  • سنشهد عودة الانتداب الأجنبي (الفرنسي) لكن بشكل متوافق مع القرن الواحد والعشرين وبأدوات مختلفة ،ولو لبضعة سنوات لحين الانتهاء من الترتيبات النهائية للوضع الجديد (الوصاية الدولية).
  • للأسف مع الضعف المستشري في الجانب السني لكن على القوى السنية الحالية او الجديدة ان تحجز مبكرا مقاعدها للوضع المستقبلي من خلال :
  • الانسجام والتوافق السني السني بين مختلف القوى والزعامات السنية السياسية والدينية بين الساسة والمشيخة وتوحيد رؤية العمل.
  • الدور المحوري والاستراتيجي لمفتي الجمهورية  لما يتمتع به من صلاحيات وإمكانات مكفولة بالدستور.
  • الارتكاز على الشارع السني وتلبية احتياجاته .
  • التحالفات المحلية مع قوى لبنانية تتوافق مع الرؤية والمصلحة المشتركة .
  • الحرص على تعميق التحالفات الدولية مع الدول العربية السنية في المنطقة وبناء جسور الثقة بينهم (مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر ).
  • سيكون هناك مناوشات وفوضى ومظاهرات لن تدوم طويلا وسببها المحاولة الأخيرة واليائسة من قبل فريق 8 اذار وخاصة حزب الله للحصول على أي مكاسب او كسبا للوقت لترتيب اوراقهم .
  • سيشهد لبنان انتعاش اقتصاديا على المدى القصير بسبب المساعدات والمنح ،وعلى المدى المتوسط والطويل لكن ليس سريعا بشريطة الوصول الى موافقة من الفرقاء للشروع في بداية بناء المنظومة الجديدة وسيكون ذلك ، لكن قد يحتاج بعض الوقت حتى يتم إرضاء كافة الأطراف سياسيا واقتصاديا .
  • اكبر الرابحين هم حلفاء الروم الجدد وخاصة حلفائهم التاريخيين (حزب الكتائب والقوات اللبنانية…) ، ويتبعهم الدروز ستعطى لهم مكانه وصلاحيات قد تصل الى ما كانوا عليه أيام سلطة جبل لبنان ومن بعدهم حركة امل  .
  • حزب الله امام خيارات صعبة جدا احلاها مر ، اما ان يتحول الى حزب سياسي بالكلية وينخرط في المناخ السياسي اللبناني ، واما ان يتخلى عن فارسيته وارتباطه الاستراتيجي بإيران او على الأقل لا تصبح أولوية لديه او المواجهة والتمرد ويعتبر هذا على المدى المتوسط انتحارا .
  • لا بد ان يكون هناك دور استراتيجي للشيعة العرب (غير الفارسية) للوصول الى ارض مشتركة مع الاخرين في اطار المصالح المشتركة ووحدة الرؤية الوطنية والعربية .
  • مرفأ بيروت لم يكن يوما مكانا او ارضا لنفوذ حزب الله الأمني او الشعبي او خيار استراتيجيا لنقل او تخزين شحناته الاستراتيجية مطلقا، بل المرفأ من أيام الفرنسيين هو مرفق استراتيجي لهم ولحلفائهم .
  • نترات الامونيا ظلمت في هذا الحدث فلم يكن دورها يتجاوز انها غطاء احترافي ومساعد قوي لعملية التفجير .
  • ستبقى الصراعات والنزاعات في لبنان على أساس الإيدلوجيا مهما تجمل أي فريق بالديموقراطية او الليبرالية او غيرها لأنه لا يوجد بديل موازي ومكافئ يحفظ توازنات القوى في لبنان غير التقسيم الطائفي.
  • عبر عشرات الاحداث في لبنان هناك قاعدة للتعاطي مع الازمات في لبنان وهي :استثمر الازمة واحصد ما تستطيع من المصالح ولا تبحث في الركام عن المسببات او تنتظر لها حلول ،ستذهب الازمة لتصطف على رف الازمات مع اخواتها.
  • المحافظة على الوحدة الوطنية ومؤسسات الدولة، فالوطن اطار مشترك للعيش لكافة المواطنين مع انه للأسف ستبقى المحاصصة الطائفية والحزبية لكن ليبقى الوطن ككيان جامع بعيدا عن هذا .
  • سنشهد سايكس بيكو جديدة للمنطقة كان تفجير بيروت اخر فصول مرحلة التجهيز للبدء بتنفيذها وستكون على حساب الكيانات السنية دولا او مجتمعات.

الغريب أن لبنان كل خمس عشرة سنة يكون على موعد مع حدث جلل وأزمة كبيرة على سيبل المثال لا الحصر اغتيال الرئيس رفيق الحريري 2005م واغتيال بيروت 2020 م (حتى ألف في هذا كتب منها: لماذا الحرب في لبنان كل ١٥ سنة؟ – أحمد زين الدين) 

 

“حفظ الله لبنان ارضاً وشعباً من كل سوء”

الهوامش:

1-الاثنى عشرية.

2-آمل الاطلاع على مقالتي بعنوان (وجاء دور المجوس الجدد).

3-والعجيب أن تفجير بيروت كان قبل يوم واحد من ذكرى تفجيرات هيروشيما و ناجازاكي.

4-أي تصور استراتيجي يأخذ زمنيا بين 2-5 سنوات تقريبا حتى تبدا ظهور النتائج.

5-لا يوجد تعداد حكومي رسمي للبنان وآخر احصاء رسمي كان عام 1932.

فيديو الشهر

  • سيعجبك أيضاً

Dr.Ali Alotaibi

د.علي بن عبدالله العتيبي مستشار التخطيط الاستراتيجي وباحث في المجال التنموي رئيس مجلس إدارة مجموعة آراك للتنمية

شارك بتعليقك

تواصل مع فريق البوصلة

للتواصل

10 + 9 =